بسم الله
الرحمن الرحيم
حمد بن مجدل الخالدي ومقاومة الاستعمار البريطاني خلال الفترة من عام1830 الى 1889م.
يعد حمد بن مجدل بن درباس بن مانع
بن حمد المجدل شيخ جماعته من العماير من بني خالد، ذو شهرة واسعة لما قام به من اعمال
حربية ضد القوات البريطانية على امتداد الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية وذلك
انطلاقا من مركزه في جزيرة جنة.
وقد ورد ذكر
ذلك في العديد من المراجع الأجنبية والعربية التي سوف نشير إليها عند الحديث عن
تلك الأعمال (جميع تلك المراجع اختلفت في ذكر الاسم الصحيح لحمد بن مجدل حيث انه
ورد أن اسمه حميد بن مجدل ومرة أخرى أن اسمه حمود بن مجزل ولكن الصحيح هو ما ذكر أعلاه) وقبل الحديث عن مقاومته للاستعمار
البريطاني لابد ان نتطرق الى بعض اهم اعماله الحربية على الساحل الشرقي: -
1-
الهجوم على الهفوف والقطيف 1830م.
في سنة 1830م
ونتيجة للخلافات الأسرية بين حكام الدولة السعودية الثانية، استغل العماير بقيادة
حمد بن مجدل الوضع وقاموا بمهاجمة الهفوف عن طريق العقير وكذلك القطيف بهدف
السيطرة عليها، ولكن لم يكتب لتلك العمليات النجاح وذلك لشدة المقاومة من الاهالي
بقيادة الحاكم السعودي في الاحساء.
2-
حصار منطقة القطيف:
في عام 1831م
قام حمد بن مجدل وجماعته العماير من بني خالد سكان جزيرة (جنة) بفرض حصار على
منطقة القطيف وكان السبب الرئيسي في ذلك هو رفض أهل القطيف الاستمرار في دفع
الإتاوة التي كانوا يدفعونها للعماير و قد أثار ذلك مشاعر سكان القطيف نتيجة
الخسائر التي لحقت بهم و الأذى الذى تعرض له أحد شيوخ القطيف على يد العماير الذين
حاولوا فرض مطالبهم بالقوة ، ولم يجد توسط الحاكم السعودي بين حمد بن مجدل وابن
غانم حاكم القطيف نفعاً، مما أدى إلى موافقة ابن غانم على دفع الإتاوة وقدرها 1500
روبية لحمد بن مجدل هذا عن كل سنة.
3-
معركة سيهات:
في عام 1832م
حدث نزاع بين العماير من بني خالد سكان جزيرة جنه وبين أهالي سيهات مما أدى لخسائر
كبيرة بين الطرفين وأهمها مقتل درباس بن مجدل، وكان من نتائج هذا النزاع أن هاجم
حمد بن مجدل في سنة 1832م سفينة بالقرب من سيهات وقتل 12 رجلاً وأسر 17 بحاراً
كانوا على ظهر السفينة وذلك انتقاما لمقتل أخيه درباس بن مجدل.
4-
حصار القطيف
بالتعاون مع حاكم البحرين:
في عام 1834م
قام العماير من بني خالد سكان جزيرة العماير (جنة) بقيادة حمد بن مجدل وذلك بعد ان
تحالف مع شيخ البحرين عبد الله بن أحمد بفرض الحصار على منطقة القطيف للمرة الثانية،
وذلك بهدف السيطرة على ذلك الساحل وقد استطاع هؤلاء أن يقطعوا طرق المؤونة على
القطيف مما أضطر عبد الله بن غانم عامل الدولة السعودية الثانية في القطيف أن يطلب
المساعدة من الأمام تركي بن عبد الله آل سعود، الذي أرسل إليه ابنه الأمير فيصل بن
تركي، وقد استطاع فيصل أن يفك الحصار عن القطيف.
5-
المواجهة مع
القوات المصرية 1839م.
أثناء حملة
القوات المصرية للسيطرة على القطيف عام 1839م ومن أجل كسب ود أهالي القطيف و الذين
كانوا يتعرضون وبشكل مستمر للاعتداءات من قبل العماير من بني خالد بقيادة حمد بن
مجدل ، قام محمد رفعت قائد الحملة المصرية على القطيف و بمساعدة من قبل أهالي
القطيف بالهجوم على قلعة (عنك) حيث يقيم بها حمد بن مجدل و جماعته العماير من بني
خالد ، وتمكن من الإمساك بشيخ العماير/ حمد بن مجدل ، بعد أن انسحب بقية الرجال
الذين كانوا يتحصنون بالقلعة في مركبين الى البحر وبذلك تمكن محمد رفعت بقوته من
السيطرة على القلعة و الاستيلاء عليها ووجد فيها ثلاث مدافع تابعة للعماير، فرتب
الأمر و ابقي في القلعة الفداويين و أخذ المدافع الثلاثة إلى القطيف.
وبعد فترة تم
إطلاق سراح حمد بن مجدل ومنحه ورقة أمان له ولجماعته شريطة أن يعودوا إلى جزيرتهم
جنه التي هي جزيرة العماير وأن لا يعودوا إلى ارتكاب أي أعمال عدوانية ضد القوات
المصرية وأهالي القطيف.
6-
حاكم البحرين
يتخلى عن حمد بن مجدل 1839م:
في 2 مايو
عام 1839م وقع حاكم البحرين عبد الله بن أحمد مع الحاكم المصري محمد على اتفاقية
معاهدة تنظم العلاقة بين حكومة البحرين والسلطات المصرية والتي تمكنت من السيطرة
على المنطقة، وقد جاءت المعاهدة بشكل شروط من أهمها ما يلي:
أ- على شيخ البحرين ضمان عدم قيام حليفه وهو حمد
بن مجدل وجماعته بأي أعمال عدوانية ضد القوات المصرية على الساحل الشرقي.
ب- على شيخ البحرين أن ينبه على ولده الشيخ مبارك
المتواجد في الدمام بأن لا يسمح إطلاقا لأي فرد من العماير جماعة حمد بن مجدل
بالتواجد بالمنطقة دون الرجوع أولاً للقائد المصري وأخذ موافقته على ذلك.
وأدت بالتالي
تلك الشروط إلى إنهاء العلاقة بين عبد الله بن أحمد حاكم البحرين وحمد بن مجدل
وكان ذلك أثناء انحسار الحكم السعودي عن المنطقة.
7-
حاكم البحرين
الجديد يعتمد على حمد بن مجدل 1843م.
بعد أن تمكن
محمد بن خليفه عام 1843م من طرد عم أبيه شيخ البحرين عبد الله بن أحمد الخليفة من
الحكم وأصبح هو الحاكم في البحرين اعتمد على حمد بن مجدل وعينه مساعداً له على
الساحل الشرقي من أجل تحقيق السيطرة على سواحل الإحساء والقطيف ومنع عبد الله بن
أحمد حاكم البحرين السابق من القيام بأي حركة لاستعادة الحكم مرة أخرى.
مقاومة
الاستعمار البريطاني للمنطقة: -
*اهتمام
السلطات البريطانية بأعمال حمد بن مجدل المناهضة لها في مياه الخليج العربي: -
خلال المدة
من 1845-1854م تركز اهتمام السلطات البريطانية على ساحل الإحساء نظراً للأعمال
التي قام بها حمد بن مجدل، بعد أن تحالف مع شيخ البحرين محمد بن خليفة وكان ابن
مجدل قد انتقل ومعه بعض أفراد قبيلته إلى مأواه في جزيرة جنه وأشتبك في طريقه مع
سفينة كانت على وشك دخول ميناء القطيف تحمل شحنة قمح واستطاع أن يأخذ السفينة
وشحنتها إلى جزيرته، أما البحارة فقد سمح لهم بالعودة إلى بلادهم بسفينتهم الفارغة
بعد أن جردهم من كل ممتلكاتهم، وقدرت الخسائر بمبلغ 1500 روبية شاهية.
وذكر أن حمد
بن مجدل وجه إليه تحذير بأن هذه الشحنة التي استولى عليها تخص فرداً تحت الحماية البريطانية،
ضحك ساخراً وتساءل: ومن هم هؤلاء البريطانيون ؟!
ولم يكن
ممكناً كما يدعي لوريمر مؤلف كتاب دليل الخليج تحمل هذا الاحتقار الواضح للأمن في
البحار والقائمين على حمايته، وفي مايو 1845م أرسل المقيم البريطاني مساعده
الكابتن كمبول لعقاب حمد بن مجدل في مقره بجزيرة جنة، وتم تنفيذ هذه المهمة التى
تولاها القائد هوكنز بسفينة صاحبة الجلالة رافعة العلم كوون والطراد كونستانس
يعاونهما قاربان مسلحان بعد عدة صعوبات ملاحية.
وقد رد حمد
بن مجدل على الإنذار الأول الذي وجه إليه بالاستسلام باستهتار، لكنه حين طلع
الصباح وجد جزيرته محاصرة من كل جانب بالسفن والقوارب المسلحة وكانت هذه العملية
مرهقة للبريطانيين أشد الإرهاق بسبب شدة المقاومة وحرارة الجو الملتهبة في هذا
الوقت وهو شهر يونيو.
*التحركات
البريطانية في القطيف 1846م:
في صيف 1846م
وجد الحاكم السعودي في القطيف في نفسه من الجرأة ما جعله يوجه خطاباً لمقيم
البريطاني يطلب فيه ان تقوم السلطات البريطانية بطرد حمد بن مجدل من المنطقة،
وإعادة سفينة كبيرة وخمسة قوارب كان قد استولى عليها من القطيف، وهدد المقيم في
حال عدم تنفيذ هذه المطالب بالسماح لبني هاجر وغيرهم من قبائل البدو بالقيام
بالمشاغبة مع البريطانيين وقد أجيب حاكم القطيف على خطابه إجابة ودية نقلها له
طرادان من البحرية البريطانية.
*انضمام حمد
بن مجدل إلى قوات الأمام فيصل بن تركي1847 م:
في عام 1847
م نشب خلاف بين شيخ البحرين محمد بن خليفه وحمد بن مجدل وعلى أثر ذلك قام حمد
بالانضمام إلى قوات الإمام فيصل بن تركي حاكم الدولة السعودية الثانية، والذي كان
يسعى الى تحقيق السيطرة على منطقة الأحساء وكامل الساحل الشرقي، وأدى ذلك الحدث
إلى إضعاف قوات حاكم البحرين والذي اضطر إلى دفع الزكاة السنوية التي كان يرفض أن
يدفعها إلى الإمام فيصل بن تركي.
وقد قام حمد
بن مجدل بالكثير من العمليات العسكرية بعد أن انضم إلى قوات الامام فيصل وكان
معظمها ضد القوات البريطانية والتي كانت تحاول السيطرة على الساحل الشرقي وأمر
فيصل بن تركي بعد ذلك بترميم قصر وجامع حمد بن مجدل في جزيرة جنه وكذلك أمر بإعطاء
حمد وجماعته الكثير من الأملاك والنخيل في القطيف ولا يزال البعض منها باقياً حتى
الآن.
* تكرار
العمليات من جانب حمد بن مجدل ضد القوات البريطانية:
في سنة 1854م
ارتكب حمد بن مجدل عمليه أخرى في عنك بالقرب من مدينة القطيف وذلك بأن استولى على
سفينة كبيرة ورفض إطلاقها رغم أن المقيم البريطاني كابتن كامبول ذهب إليه بنفسه
يطلب تسليمها وحين رفع الكابتن كامبول الأمر إلى حكومة بومباي البريطانية صدرت
أوامرها بتحطيم السفينة التي يملكها حمد بن مجدل بالقوة دون التورط في أية
اشتباكات برية.
* وصول
الأسطول البريطاني إلى عنك لمواجهة ابن مجدل:
وفي نوفمبر
1854م وصل أسطول من سفن البحرية الهندية البريطانية إلى مياه عنك ، وكان يتكون من
السفينة (كليف) يقودها القائد روبنسون والسفينة تحيرز يقودها الملازم فويرتون
والسفينة فولكلاند يقودها القائد هويت والسفينة كونستانس يقودها الملازم كرين ،
وكان الوصول إلى عنك نفسها عن طريق البحر غير ممكن ولكن شوهدت بالقرب منها سفينة
أقام العرب حولها استحكامات رملية وكانت على وشك الإبحار ، فهاجمها أسطول مكون من
12 قارباً ... كان أحدها مجهزاً بالبنادق والبقية يحمل كل منها مدفعين عيار 12
رطلاً و 6 مدافع عيار 3 أرطال إلى جانب قوة من 240جندي وبحار ، خلال هذا الاشتباك
انحسر البحر عن القوارب البريطانية فأصبحت على أرض جافة ، فسارع إليها العماير
يريدون الاستيلاء عليها ، ولكن صدتهم عنها نيران بنادقها ومدافعها ، وحين انحسر
البحر اضطر حمد بن مجدل إلى إيقاف القتال وطلب الهدنة.
* عمليات متفرقة:
1-في 1878م
استولى العماير على قارب كان راسياً داخل ميناء القطيف، أخذوه مع بضاعته المحملة بالتمور،
كما استولوا على الملاح وبحارين كانوا على ظهره.
2-كما كانت
ثمة سفينة صغيرة راسية في المرسى الداخلي لميناء القطيف فأحاطت بها أربعة قوارب
للعماير واستولت على 200 روبية، وسارية كبيرة وقارب صغير ذهبوا بها إلى جزيرة جنة.
3-قام سبعة
من جماعة ابن مجدل بمهاجمة قارب تابع لرأس الخيمة على الشاطئ تحت أسوار قلعة
القطيف نفسها، واستولوا على بضاعة قيمتها 360 روبية تقريباً، أطلق العماير النار
على ضحاياهم حين حاولوا الهرب منهم سباحة فجرحوا الملاح وتم سحب القارب إلى عنك.
4-في أكتوبر
1878م ونتيجة للأعمال التي قام بها العماير سكان جزيرة جنة، قامت سفينة صاحبة
الجلالة فليتشر بقيادة القائد برنجل بالاستيلاء على 15 قارباً للعماير كان من
بينها قاربان مملوكان أصلاً للبحرين وذلك في مياه جنوبي القطيف، وسلمت كل هذه
القوارب إلى الحاكم التركي في القطيف، وقد أشاد بعمل قائد السفينة كل من حكومة
الهند البريطانية ووزارة الخارجية في لندن.
المراجع: -
1 -دليل
الخليج للمؤلف الانجليزي لوريمر (الجزء الثالث)
2 -رحالة
غربيون في بلادنا للمؤلف حمد الجاسر
3 -تاريخ
المملكة العربية السعودية في دليل الخليج د/ سعيد عمر العمر
4 -تاريخ
الاحساء السياسي د/ عرابي نخلة
5 -تاريخ
البحرين السياسي د/ فتوح الخترش
6 -المنطقة
الشرقية من المملكة العربية السعودية حضارة وتاريخ أ/ محمد صالح الشرفاء
7 -تاريخ
البلاد السعودية في دليل الخليج د/ محمد بن سلمان